رواية ستفتح بداخلك عيوناً كثيرة على الحياة.
عدد الصفحات :318
ترجمة: محمد حبيب
الناشر: دار المدى
ان كنت تستطيع أن ترى، فانظر
وان كنت تستطيع النظر، فراقب *
ستعرف وأنت تقرأها بأن الإنسان يعيش أنواع كثيرة من العمى وما البصر سوى ضوء يعكس الأشياء. وبأنك ترى بقلبك قبل عينيك وتتلمس مواضع الأشياء بذاكرتك وأن روحك أجنحة للخير وأقدامك معاول لحرث الشر إن طاوعت الشيطان الضاحك بداخلك.
تحكي الرواية عن وباء يعم البشر فيأخذ أبصارهم ويجعلهم يغرقون في بياض حليبي لانهاية له، تسير الأحداث بانتظام وبرتم معقول الا أن نبضك سيتسارع في الجزء الأخير منها لمعرفة كيف سينتهي الأمر وبين صفحة وأخرى ستنبت في رأسك تساؤلات كثيرة وتغرق في تأمل سرمدي لطبيعة البشر العجيبة.
ستتأمل أسباب الصراع الأبدي بين أن تحافظ على إنسانيتك في ظل غياب الظروف وبأن تعرف متى تظهر مخالب الحيوان بك حينما تحتاج إليه، لم تكن في الرواية أسماء للشخصيات، كانت أوصافاً يستدل بها الراوي العليم لوصف العميان ” زوجة الطبيب، الفتاة ذات النظارة الشمسية، الطفل الأحول، العجوز ذو عصابة العين” لم يكن للأسماء أي أهمية كما أن الأوصاف والأعراق والطبقات الاجتماعية تغيب أيضاً لأنها ستختفي جميعاً في البياض ويبقى الهاجس هو الحفاظ على معنى للكرامة المتبقيّة في الأجساد العمياء.
حينما قرأت الرواية سمحت لنفسي بأن أصدر حكماً قاسياً وأقول بأن داخل كل إنسان حيوان مختبئ يظهر بلا تردد في غياب الظروف التي تحكمه بأن يبقى إنساناً.
وحينما انتهيت منها وكعادتي في تأصيل فكرة عظمة الخيال البشري على آلة السينما شاهدت الفلم الذي غيّب أحداثاً كثيرة منها ومشاهد كانت تتكثف بها مواقف هزت سكوني وغابت أحداث رسمها خيالي بشكل كدت ألمسه وأشم رائحته فكنت حينما أقرأ أكاد أنفض عن جسدي شعور الالتصاق بسيل لانهائي من الأجسام المتعرقة والأيادي الممدودة الباحثة عن مكان آمن تلجأ إليه.
لقد غرقت في هالة غريبة بعد الانتهاء من الرواية والفلم وانتابني شعور لزج غريب لم أستطع تتبع مكان نبعه، شعور يذكرني بأن لا ملامح حقيقية للحياة وأن كل الأشياء متوقعة وأن الضوء بإمكانه أن ينطفئ من جميع الأشياء وبلا سابق إنذار ولكن النور بداخلك هو من يرشدك إلى الضفة الأخرى الأجدر بالعيش.
الحياة مزحة لا تحتمل التصديق وضحكة طويلة بأعين باكية مما يعني بأنه يحال فهمها، ولكن يظل بيدك أن تصنع آلة السعادة والضوء بداخلك.
اقتباسات من الرواية:
“لقد أمضيت حياتي أنظر في أعين الناس، إنها الأجزاء الوحيدة في الجسد حيث لاتزال الروح موجودة فيها”
“الحب الذي يقول الناس إنه أعمى ، له صوته الخاص “
“يجب أن تكون صبوراً، أن تترك الزمن يأخذ مجراه، يجب أن نكون قد تعلمنا مرة واحدة وإلى الأبد أن القدر سيتقلب كثيراً قبل أن يصل أي مكان”
“كانوا يحلمون بأنهم حجارة ، وكلنا يعرف كم هو عميق نوم الحجارة”
“بدون الأعين تغدو المشاعر شيئًا مختلفًا “
“إن أصحاب القلوب القاسية لهم أحزانهم أيضًا “
“إن بصري يتناقص مع مرور الزمن، على الرغم بأني قد لا أفقد بصري بل أني سأزداد عمى لأنه ليس هناك من ينظر إلي ويراني “
* اللوحة للفنان بيتر بروخل
*كتاب المواعظ.