نبتة ظل 🌱

تختبئ مني الأفكار، احتفظ بها دائماً في جيوبي، ولكنها تقفز وتفر الى مكان أجهله في الذاكرة، أعيش في أفق محدود، محشوّ بالتفاصيل الصغيرة والمشاعر الولاّدة، لا أكف عن السفر وان كنت في بيتي بين جدراني، ومن تحت أقدامي يركض الأطفال، لا أكف عن الإبحار وان كنت واقفة أمام الموقد لأعد وجبات الغداء.

قد يبدو من بعيد وبعدسة مشوشة أني أمتلك حياة عاديّة روتينية يقتلها التكرار وتنتهي يومياً في الوقت الذي انتهت فيه ليلة البارحة، قد يكون هذا الأمر صحيح لأن القشرة الصمّاء تخفي عما يدور بباطنها من براكين ومراسِي وفراشات وأجنحة.

حين أفتش عن حياة خارج الحياة أكاد أجزم أنه لم يفتني شيء كل الأشياء تكررت وكل الأماكن تشبه بعضها والوجوه أيضاً، القصص ما تهمني هي القصص و ها هي أمامي تنام في ثنايا الكتب وفي شاشات التلفاز وفي محادثات الأصدقاء.

كنت أتحرى للهروب من وطني الصغير للبحث عن مغامرات ربما تكون قد فاتتني أو قد كبرت عليها على أيه حال، لكن الخارج كان مغلف بالارتياب والتردد والنظرات المسروقة والغموض الذي نختاره لأنه يحمينا. لا يسعنا الخروج بنفس الوجه الحقيقي لأنك ستبدو عارياً غريب الأطوار ويرفع عليك أسلحة التجاهل والامتعاض سراً .

لقد كان العمل من المنزل حلماً تحقق من غير تخطيط، كنت ارسمه كشخبطة على الورق و هو الآن يربوا أمامي كنبتة ظل، دائم الاخضرار وان كان بعيداً عن الشمس ولا يتعدى النوافذ ولا يشم رائحة الهواء في الخارج.

الإعلان

“الشعبة الثانية -مجموعة هـ”

ليلة البارحة، كانت ليلة محشوة بالذكريات ومغموسة بسكّر الضحكات، اجتمعت بصديقات الكلية التقيتهم قبل أزمنة عديدة في الوقت الذي كنت فيه هشّة من الداخل ولا أحب ان أرى انعكاسي في المرآة، في الوقت الذي كنت فيه اتهشم من الكلمات الثقيلة والنظرات الطائشة، ومع ذلك كانت لدي قدرة عظيمة على الضحك واطلاق النكات، على اختلاق الأفكار المجنونة التي اطرحها على الطاولة كالكائنات المسحورة، كانت الضحكات تتفرقع من كل الاتجاهات والهتاف المنتشي من السعادة ينبثق من كل الأشياء حولنا..

تحلقنا ليلة البارحة حول سفرة مليئة بالمفرحات وعلب الغازيات الملونة و الشوكلاتات الشقية، كانت المائدة تشع ببهجة العقد الأول من الشباب حيث الأحلام لازلت تشق طريقها من الأرض الطازجة، تركنا القهوة وحلوى الناضجين جانباً واستمتعنا بقرمشة رقائق البطاطا، كانت البطاطا محور الحديث هربنا اليه من الجدية وحدثاً هاماً اجتمعنا على مناقشته وكأنه سيحدث فرقاً في انتهاء الكون وانتهى بنا الأمر بالتنمر على كيس البطاطا الذي صنع من التمر والطحينة ومن تمتلك الشجاعة بتجربته بلا تردد.

لقد اخذتني يد الزمن بحنان ووضعتني في باحة الكلية حيث الأشجار اليافعة والكراسي الحديدية الخضراء وحقائبنا الملقاة على الأرض وعلى جدالنا حول من الذي سيجلب لنا الإفطار هذا اليوم.. وتعلو الأصوات حول الطلبات 1 ساندوتش تونة و2 ببسي ولا تنسين تسخنين الحلّوم..

كنا جميعنا نفس الأشخاص ليلة البارحة وان قدت من جنوبنا كائنات أخرى تشبهنا ولكن الأصل لايزال يحتفظ بسماته نفسها، لقد عادت هنادي من الأمس تضحك حتى يكاد يغشى عليها  ولكن مايحول دون نزول رأسها الى ركبتيها هو بطنها المنتفخ، لازالت بها تلك الصفة الطفولية التي احب تشكو كثيراً وتلوح بيديها بالهواء ولكن وجهها لا يستطيع ان يتجهم وحينما تصل للحد الذي أظن أنه نهاية الشكوى وبداية الصراخ ابتسم لها فتخر صريعة للضحك ويعود الأمر كوميدياً  كما كان ..

هناء من احتضننا بيتها بالأمس، والتي كان اخر عهدي بزيارتها هو اليوم الذي انجبت به ابنتها ديالا، ثم انقطعت بنا سبل اللقاء ولكن الاتصالات الهاتفية  لازالت تجدل حبل الوصال بيننا لم نكن نفترق بالصورة والصوت حتى حينما التقيتها ذبنا في عناق حميمي طويل كانت الشاشات الزجاجية تحرمنا من هذه الاحضان التي تسد ثقوب الروح وتملأ الفراغات بالطمأنينة، ملئت هناء بيتها بالحلوى واعدت العدة والعتاد لينجح هذا اللقاء، بيتها الذي يركض فوق أرضيته 5 أطفال سعداء لم يطمس التعب والارهاق بملامحها تلك النظرة التي أحب، وتلك الابتسامة التي تشعرني  بأن الأمور جميعها على مايرام وان لم تكن كذلك، قتالها في الحفاظ على الوزن وان تكون جميلة دائماً انقذها من تكوم الهموم في خواصرها وعلى قلبها السليم، لم يحدث ان رأيت هناء واجمة حتى في أشد أيامها بؤساً حينما أودعت ابنتها لغرفة العمليات لأن قلبها يحتاج الدعم والمساندة كانت هي تطوف في الممرات البيضاء كالحمامة بحزن مكتوم وصوت يدمدم ادعية متقطعة، لقد كان وجه هناء أول وجه تقع عليه عيني حينما انتقلت لكلية الاقتصاد المنزلي بمكة ، حينما انتقلت من كلية الآداب بجدة  كنت جديدة على صخب المدينة ولم اعتد كل هذه الحدة في الطرقات والمباني فقطعت الطريق الى مكة التمس مكاناً أعرفه وبشر من طينة تشبهني و أألفها سريعاً، فكان لي هذا منذ اول خطوة وضعتها في ذلك المكان الغريب.. بحثت عن قاعتي.. ودخلت بخجل وحينما دارت الاعناق لتراني التصقت بالحائط لأسند ارتباكي فجاءت لي هناء بابتسامتها وسألتني ان كنت جديدة فأومئت لها ومن لحظتها هدأ بي القلب المرتجف وارتخت الأطراف المتوترة وشعرت بأني عدت الى وطني.

هناء اسماعيل، القصة التي تتوالد منها القصص على مر الأزمان، هناء مكتبة بشرية تمد حكايتها في الحوائط وتعقد منها سلاسل الاحداث، هناء التي تنقذنا بقدر ما تغرق وتضمدنا بقدر غائر جراحها، هناء التي توقظ صباحاتنا وهي التي تنام وتصحو تحت وطئة الليل.

وجهها الجميل، وابتسامتها الملائكية تتحدث عما يسكن هذه الفتاة من بياض لم تصبه الصدمات بالسواد. لازالت ناعمة كالثلج ونقيّة كالماء وعطرة كالبنفسج ومحلّقه كنوارس إسطنبول، لقد التقيت هناء كثيراً وجئتها قبل 5سنوات وانا اركض بسعادة مجنونة كالأطفال في صباحات العيد، كان زفافها حدثاً اسطورياً عظيماً وباباً يوصد وراءه انتهاء المأساة بأن تعيش هناء بهناء كما تريد وأن تعلق صورها الملائكية في الحائط ان تطهو بحب الكنافة التي تعشق وتذيب الملح في الحساء الدافئ وتشغل الشموع في بيتِ مطمئن. لقد أتت بالأمس منتقمة من الماضي ومباركة من المستقبل أتت بفستانها البرتقالي لتسكب لنا الحياة في كؤوسنا وتعزف بشعرها الغجري اغنياتنا التي نسيناها على درج المبنى الرابع في الكلية.

لقد أتت ومعها حقيبة ضخمة لتنعش بأدواتها ذاكرتنا التي دفنت بغير قصد بين كثبان الزمان، ذكرتني بالقطة التي بكت عليها في ظهيرة يوم دراسي فوجهت لها سلاح النكات لتختلط الدموع بالضحكات المكتومة وترتبك المشاعر، وتنتصر البهجة اخيراً ونخبئ جزء منها في حقائبنا لنعود بيوتنا ونكمل ما صنعاه صباحاً عبر خطوط الهاتف ليلاً.

لقد نقصت الحلقة فغادر منها من أراد المغادرة وأقفل النوافذ في وجوه أصائص ونسمات الحكايات، اطفئ مصباحاً من مصابيح الحلقة ولكننا احتفظنا بالذكرى والإشراق واعترفنا بأحقية الذهاب وحتمية البقاء

انتهت الزيارة وقبل ان اذهب احتضنتهم في عناق طويـــل تمنيت أن لا انتهي منه، نجحت في استرجاع ملامحي قبل 20 سنة وفرحت لأني لم اتغير كثيراً ولازلت في نظرهم الحكاءة التي تسيل دموع الضحك وتوقد الافران تحت كعكات المغامرات، سعدت لأني استطعت أن اسدل شعري على مشاعري المتورّمة وغطيت ندوب روحي بالمساحيق ولأنني انتصرت على مارد حزني و أودعته قمقمه للأبد، لأن لي حياة جميلة تستحق أن تُعاش!

23-6-1444.

ميلاد سعيد!

31-12- 2022

عيد ميلاد سعيد!

بهذه الجملة ابتدأ صباحي، وعلى الرغم من أني لم أنس أبداً ان اليوم هو ميلادي، ولكني أردت أن أرى هذه الجملة تكتب على شاشة هاتفي. انطلقت البالونات من معرفي في تويتر وغُلفت مكعبات دردشة السناب تشات بشريطة حمراء، هكذا احتفت بي البرامج أهداني الصباح جواً جميلاً نثر لي غيوم بيضاء في السماء، وزفت اليّ النوافذ هواء منعشاً عليلاً رقصت على إثره أجراس الأمنيات المعلقة في صدري.

في الأعوام الماضية كنت أدخل العام الجديد وجيوبي محشّوة بقصاصات عادات جديدة أود اكتسابها وعهود أكبل بها روحي الحُرة وخطط أقيد بها مساري الطليق وبينما كنت أسير نحو العمر القادم أقبض بيدي على بذور كثيرة كي تألفني الأحلام ولا تسافر عني في مواسم الهجرة.

أنا الآن أخطو نحوه متخففة من كل شي، لا أحمل زاداً ولا ماء، آكل ما يضع الله لي من رزق في الأرض وأروي عطشي من ماء السماء، أنصب ظهري بسند الله وأتوكأ على أكتاف عائلتي، عصافيري هم أطفالي، آمالي هي كتبي، وقلمي هو عصاي الذي أهش به على ألمي.

سلاحي هو ثباتي.. أجمل انجازاتي هو أني درّبت قلبي على مواجهة الذئاب، لم أعد أرى أن التودد لها وسيلة لتألفني والتربيت عليها سيحميني من افتراسها لي ليلاً.. تخليت عن الوثوق بها وعن اعلان الحرب. كانت الخطة هي أن أطلق عليها من مسدسي رصاصة التجاهل والنسيان وأدعها تتبخر في الفضاء.

لقد تصالحت مع وجودها في محيطي كفكرة أنها ضرورية لتبنى أسوار التوازن في روحي، كي لا أغرق في برك العطف وأسند ظهري بدعة على أشجار الرخاء فأنسى قوة المقاومة. الأمر الطبيعي في الحياة هو أن يظل هناك شيئاً تخشاه ثم تحاربه فيمزقك ثم ترضخ له فيستحلك، ثم تنهض وتقاوم فيضل يحوم حولك متأهباً الهجوم.

 لقد صددت الذئاب بقوة لامبالاتي لا ألتفت لعوائها وتنتظرني كي أطعمها خوفي ولطالما أطعمتها كي تصمت فبصقتها في وجهي لقد ملت الخوف الصامت و اعتادته فعادت لتطلبها ممزوجة بالذل أو البكاء ولكن اللعبة انتهت الآن.

ما يحدث هو أنها أصبحت تتأملني وأنا غارقة في حب من حولي محاطة باللطف من كل الأشياء، يعوي كبيرها فتهرب الكائنات الجميلة لمكان آمن أكثر وحينما يبتعد القطيع تعود الي بشوق أكبر لتعوضني عن كل الليالي التي بت فيها راضية بالبرد قانعة بالوحدة..هكذا كان الأمر.. بدت كل الأشياء جميلة بالتقبل، وأشرقت في قلبي شموس كثيرة حاسرة كل أشباح الخوف والوحدة بعيداً..

لقد جرحني العام الماضي بأيامه الحادة جروحاً مؤلمة عميقة وبلا أسباب واضحة كانت غائرة حد احتكاكها بالعظم.. لعلها بحثت عن مواطن رواسب الجروح القديمة التي دفنت بدمها وصديدها وعفنها لتفتقها لتخرج جذور الألم منها ثم تركت للأيام مسئولية برئها.. الآن اندملت الجروح وأصبحت أتلمس الندوب بابتسامة ونظرة حانية.

أتمنى لو كان باستطاعة المرء بأن يصنع أياماً طازجة يضعها على نوافذ الأحباب.. لو كان باستطاعتي أن أغزل من الضحكات أوشحة لعائلتي لو كانت لي القدرة أن أضع في جيوب أصدقائي عملات محبة لا تنقص، لو أمكنني أن أمتلك مناعة فولاذية أضم اليها أرواحهم لأحميها من كل داء وأطرد بإصرار لا ينفد كل غربان الحزن وآفات الغم.

تكسرت أعمدة كثيرة وباتت خيمة الحياة من فوقي مائلة ولكني أرى رؤوس أسس بناء جديد على بعد خطوتين مني.. لم أعد اسعى لشيء سوى أن ألمع سراجي ليكون أكثراً سطوعاً من حولي ويحجب ما عداه.. أيقنت ان من الجميل أن أعيش في بقعة ضوئي ولا أرمي بصري للبعيد فتعمى عن محيطي.. أن لا أسمّر نظري للظلام فأترك لوحوش الأوهام فرصة الانقضاض علي..انظر الى السراج لتأنس بالنور وتدفئ به روحي وأرى بوضح جمال ملامح من حولي، أراقب أثر مرور الأيام على وجوههم وأتتبع أثر نموّهم البطيء المستمر السعيد.

هل أصبحت ذلك الشخص الذي لا يشبه نفسه؟

حسناً سأجيب على هذا السؤال ..

ما أكبر الفرق بين ما مضى و ما هو آتِ ما بين صباح اليوم والبارحة ، لم يكن الموقف الهجومي الشائك الذي واجهته سهلاً ولكن يبدو أن جلدي أصبح أكثر سماكة وقلبي أكثر صلابة مما توقعت.

للمرة الأولى أعترف بشجاعتي أمام نفسي وذلك لأني اخترت التجاوز بكل إصرار. فحينما تلطخت ثيابي بالوحل بفعل أيدي عابثة في صباح مرتبك وأنا في طريقي نحو اجتماع هام، تنفستُ عميقاً ثم توقفت جانباً وخلعتها أمام أقرب سلة نفايات بلا أسف وبكل هدوء وتماسك أخرجت من حقيبتي قميص أبيض ناصح وأعدت رسم شفاهي بلونِ وردي ناعم وابتسمت بتألق، ومشيتُ سليمة تماماً بدون ايه شوائب لغضب أو آثار اهتزاز.

تغيرت الأشياء عندما انتميت لصورتي الحقيقية بخدوشها وأطرافها المتآكلة وورق طباعتها الأصيل اللامع، بت أشعر بشكل ما معنى ذهاب الليل ليأتي خلفه النهار وبأن كل نهار خلفه ليل ويوم وعام. ليس بالشكل الذي نعرفه كحدث تلقائي كوني بل لأن كل الأشياء ليس لها شكل ثابت. وبدوت أكثر ارتياحاً لأني وبكامل ارادتي فتحت جميع قنواتي لعبور الخير وتصريف الشر بدون أن أكتنز منها ايه أجنحة بيضاء أو قرون حمراء وشوكة.

لم أكن أعرف أثر القسوة عندما يخبئ الإنسان جراحه وبت أكثر حرصاَ في انتقائي لمن أريهم مواطن الكدمات في جسدي، وأسمح لأيديهم العطوفة بالتربيت على ظهري المقصوف، وبأن أميل بكل اطمئنان للاتكاء عليهم بطفولة حينما يغمرني التعب، بلا أي خوف من الندم أو شك في وجودهم الحقيقي القابل للاختفاء.

قلبي مأسور بالحنان..بالرقة واللطف والجمال، وأجد أني أجيد تتبع روائحهم الدافئة بين الأشياء والكلمات والمواقف..ألتمس اللين بين الأشواك، وأحاول بأن أتحسس بأطراف أناملي قدرتها على شفاء التورّم، وأمتن كثيراً لغشائها البارد حينما كمد بلطفِ قلبي المحترق.

أن أمتن لكل خير في هذا العالم هو ما سأتذكره وأنشره وأحض عليه من تلاصق أكتافهم أكتافي في الصعاب، بمن تنام يدي في يدهم دون أن تخشى الأذى وبدون أن يجفل جسدي برعب حينما أسمع صرخة خاطفة تتبعها ضحكة مدوية سعيدة وكم أحب أن أنتبه لهذا الضجيج المرح بين أكواخ الصمت المظلمة.

أشعر بأن داخلي بات مصقولاً  كالفولاذ أملساً  كالكروم لم أعد جداراً خشناً تلتصق به بقايا كلمات الآخرين فحينما أرشق بكلمات فاسدة واتهامات لزجة تسيل سريعاً تحت أقدامي مخلفة ورائها أثر بسيط أستطيع مسحة بأغنية لطيفة وكوب قهوة.

أفكر كثيراً في طي عقدي مع الماضي، أعتقه في صندوق محكم أضعه فوق خزانتي، يعجبني أن أراه أمامي وأفتخر بوجوده دائماً لأن مسامير أخشابه مأخوذة منّي من عظمي ونسيج أوراقه مغمور بعرقي وكل الابتسامات الطافية على سطحه هي طفولتي وشبابي وخطواتي الأولى على هذا الطريق. ولكني لم أعد مهتمة عن نبش موقف حاد ولا أريد أن أبحث فيه عن صورة تأخذني للضباب العدميّ البعيد.

ستشرق شمس يوماً ما بين الغيوم، شمس ليست كالشمس التي تشرق الآن شمس أراها تشرق من أجلي، من أجل أن تطرح كل الظلال جانباً وتطعن في سطوة الظلام على النور، شمس جديدة واضحة ثابتة تعرفُ الطريق وتثق بأن كل النهايات وان لم تكن متوقعة خير وإن لم تكن كذلك.

يوم الاثنين

25-5-1444 / 19-12-2022

تكثّف..

رغبة كثيفة لصمت مستمر، للانزواء الى صخرة عالية فوق سفح سحيق.
لا أرى بروزاً في الملامح، كل الوجوه متشابهة
كل الأيدي تريد لمس الناعم من الأشياء.
تريد أن تلمس الضحك المستدير والحديث المنسدل وأن ترى عينان تنضح بالأمل .
في هذه اللحظة بالذات أنا أجف.
ويخيل لي أو ربما لا يخيل أن الشمس بداخلي ستغطس في غروبِ طويل
وأن الحقيقة التي رسمتها لم يفهمها أحد وهذا ما يجعلها حقيقية تماماً بالنسبة لي.
أن الطريق الطويل الذي تنازعني الرغبة في الهرب إليه
طريق طويل وأعرف أنه طويل وأحب ذلك.
ولكن مالا أحبه فيه هو أنه يعود بي دائماً للمقعد البلاستيكي الأول
المركون في الزاوية، المقعد الذي تركته عنده أطفال أحلامي جائعين.
يحرثني منجل لايتوقف ..وتدق في قلبي ساعات كثيرة
ويطير فوقي طير لا أعرفه.
تناديني يد الظلام لأختبئ أسفل طاولة خشبية، محاطه بأشخاص لا أعرفهم،

أذكياء ووسيمين وتتسرب من أطرافهم رائحة لا أحبها تشبه المرض.
يتساقط علي الفتات من حديث مزيّف.
وأكاذيب عديدة.
من أنا كي لا أخاف
من أنا كي لا أهزم بانهيار السقف فوق ألعاب الأطفال الأبرياء.
في جيبي بذور خضراء لها رائحة حديقة
وفي حقيبتي قصاصات فريدة
لغائبين وتائبين وهاربين.
وفي يدي فتات خبز
قد اقتسمته يوماً معهم ونحن متكئين على جدار من الشعر
تحت نافذة عتيقة .
أرتدي الصمت وتمسك بخاصرتي يد الأغاني، أتكئ عليها
وأطلق للنغم اللطيف أطراف شعري
أصاحبه، أراقصه وتتساقط مني البذور
والأقلام
ومناديل وأقلام شفاه
وابتسامات مريرة
أرقص أكثر
فيلين بي كل ما قد تحجر
وأسيل كنهر
بين شقوق الطريق الرفيعة.

*لوحة “الوجه الباكي” للفنان التشكيلي السعودي عبد الله العلي

تأملات في مذكرات المتعلّمة لـ تارا ويستوفر

بدأت قراءة مذكرات “المتعلّمة” منذ شهر 18 اكتوبر الشهر الماضي وانهيته في الـ 13 من نوفمبر، كانت رحلة طويلة ومليئة بالخدوش والطبطبات ولكنها ممتعة وشاقة في الوقت نفسه، تحكي تارا ويستوفر قصّتها عن بلوغها رحلة التعليم والصراع مع العائلة بأسلوب واضح وعذب ومليء بالتساؤلات، تارا ضحيّة أفكار ومعتقدات دكّتها بعنف تحت جبل بيكس باك، فقد عاشت في كنف عائلة من الطائفة المورمونية المنعزلين عن العالم الخارجي حيث يرفضون الأطباء والادوية ويمنعون أطفالهم عن الدراسة في المدارس ويخزنون المربى والعسل وجوالين البنزين في قبو تحت باحة الخردة استعداداً لليوم الذي ينتهي فيه العالم.

يتكون الكتاب من 543 تحكي فيها تارا عن صراعاتها الداخلية ومكاسبها من التعلم الذاتي ومحاوله خروجها من قوقعة العائلة والبحث عن أصدقاء في عالم لاتفهمه حتى حصولها على الثانوية والتحاقها بمنحة خولتها للدراسة بكامبردج ثم هارفرد التي تعد من أعرق الجامعات في العالم حتى حصلت على شهادة الدكتوراة في التاريخ وهي تبلغ من العمر 27 عاماً .

الكتاب يشعل في الرأس تساؤلات كثيرة عن قوّة الانتماء وتشبث تارا بأيدي عائلتها الخشنة حتى بعد أن جرّبت حياة المدن والاستقلالية والانسلاخ من الأحكام، عن آمالها الخائبة حينما تعود في كل عيد ميلاد لأسرتها وهي ترى أمها تمارس العلاج بالأعشاب وأبوها لازال ينبش في باحة الخردة ، تعود حتى تواجه نظرات أخيها التي تسحقها كحشرة وعن الصفات التي يرميها بها ويجعلها تشعر أنها أحقر من بصقة على جدار وتصدّق أن العالم والعلم ليس لها وأنها تنتمي رغماً عنها لهذا المكان حيث تعشعش الأكاذيب والخرافات كالعناكب في أركان المنزل.

لقد شعرت بالانتماء أيضاً نحو تارا فنحن متجاورتان بالعمر، لقد شهدنا احداث 11 من سبتمبر في مرحلة المراهقة وأخذت أتذكر كيف كان وقعها مرعباً على فتاة تدرس الثانوية في قرية نائية على سواحل الحجاز في المملكة وكيف مرّ الموضوع بشكل عابر على فتاة أمريكية تتعلم منزلياً وتعمل بيدين تملئوهما البثور في فصل اجزاء النحاس عن الحديد في باحة منزلها في ولاية ايداهو.

السيرة تستحق القراءة جداً وترجمة خالد الجبيلي تستحق الاشادة ، جودة الطباعة وحجم الكتاب ممتاز حيث طبعته دار مدارك مرتين في عام 2020 وأدرج تحت تصنيف المذكرات ، حصد الكتاب العديد من الجوائز والأوسمة وحصد مبيعات هائلة حسب تقارير النيويورك تايمز.

من الغريب أني لم أجد أي تعليقات في صفحته العربية في القود ريدز سوى صديقة الكتب بيان سندي التي علّقت بالعربية وكتبت انها تتمنى ان تترجم للعربية حيث قرأتها بالانجليزية في 2019.

انتهيت من الكتاب قبل أيام ولازال أضعه في مكان واضح لأنظر إليه وأنتقل به من مكان لآخر مع اغراضي الباقية …ربما كي لا أنسى أن الحياة تمر بتعرجات كثيرة ومنعطفات خطرة ومواقف قد تفقدك صوابك ودوامات قد تنسيك من أنت، لكنك ستنجو، بصبرك وأيمانك وبالأيدي التي تمسك بك وان باعدت بينك وبينهم المسافات، ستمرّ هذه الأيام وستصل ربما بخطوات مرهقة وأصابع دامية لكنك ستصل أخيراً وترفع راية السلام في وجه العالم.

هيفاء

16-نوفمبر-2022

مالذي يحدث فينا حينما نقرأ لـربيع جابر؟

في يوم الخميس الماضي حينما كان مزاجي ملبداً بالغيوم والضباب، التقطت رواية “دروز بلغراد” ولأن لغة جابر أعذب مما ينبغي اخترت أن أحزن معه.

قرأت له من قبل ” أمريكا” و ” الاعترافات” عرفته مصادفة وبلا توصية أو حديث، لفتني عنوان روايته” أمريكا ” في متجري المفضل لشراء الكتب المستعملة ونقرت على إضافته للسلة مع مجموعة من الكتب الأخرى، نامت أمريكا على رفيّ قرابة السنة، وفي لحظة سأم انتشلتها وبعد عدّة صفحات وجدتني أسافر في باخرة قديمة من بيروت مع قرويّة لبنانية اسمها مارتا لنبحث معاً عن زوجها الذي توقف عن إرسال الرسائل لها من أرض الغربة.

أعجبني جابر، الحقيقة أنه أدهشني وحينما تدهشني الأشياء وأنا بهذا العمر انتزع رغبة طفولية قديمة بتتبعها فأصبحت أتتبع رواياته بين المتاجر والمكتبات لأضعها في مكتبتي.

بعد عدة أشهر حصلت على “الاعترافات” من نفس المتجر – أعتقد أن الكتاب كان لمدقق لغوي كان يصطاد الأخطاء القليلة ويصححها بقلم رصاص مبريّ بدقّه – مما جعلني ابتسم في كل مرّة اصادف فيها تصحيحه الأنيق، ولأنه كان كتاباً صغير الحجم كنت ابالغ في إعادة قراءة الصفحات، وأتتبع الأسئلة الكثيرة التي كانت تفرّ من رأس الشاب “مارون” لأبحث معه عن الإجابات نسيت الاحداث تقريباً وبقيت حركاته وهواجسه الليلية تظهر أمامي كلما تذكرت.

لم أشترِ “دروز بلغراد” للأسف وهذا يعني أنني استعرته ولأن نزاهتي لا تسمح لي باللصوصية إلا أني أمام الكتب أتحول لسنجاب يخبئ طعامه فما استعرته من الكتب وأعجبني سيكون من الحمق وقتها أن أعيده ثانية للذين لا تعني لهم الكتب شيئاً بعد قراءتها “لميس لا تقرأين”

لنعود الى دروز بلغراد حكاية حنا يعقوب المسيحي من بيروت يسكن بجانب كنيسة مار إلياس والذي وقع ضحية الحظ السيئ حينما باع البيض في الميناء الذي تم منه ترحيل الدروز الى بلغراد بعد الحرب الأهلية التي نشبت بينهم وبين المسيحيين المارونيين في لبنان.

لقد ابتلعتني الرواية فعلاً ..أقفلت علي في صندوق سحري معتم تكومت في ركنه وشاهدت حياة حنا يعقوب وهي تعرض على حيطانه الأربع، لقد فصلتني الرواية عن الزمان والمكان ولم أكن أشعر الا بأكوام المناديل الغارقة وهي تتراص بجانبي كندف الثلج..

شعرت أني اختطفت! ولذلك عليّ أن أرفع قضية أدبية على ربيع ويكون حكمها أن عليه كتابة رواية جديدة والعديد من الرسائل لشابة في منتصف العمر كادت أن تقضي نحبها وهي تبكي على حنا يعقوب في احدى البنايات الكئيبة بمدينة جدة .

العبارة التي أقفلت من أجلها الكتاب وودت لأركض لآخر الدنيا وأصرخ وأنا أبكي حينما دفعوه الحراس وطرحوه أرضاً وسمع صوت قاسم وهو يقول له “سامحنا ياحنا ” كلمتين استطاع بها جابر أن يبكيني بحرارة وهذا للأسف ينفي صلابتي المزعومة.

بالعادة لا تعنيني الروايات الفائزة بالبوكر ولا أحرص على قراءتها لأنها تفوز، ولكني قرأت دروز بلغراد لكاتبها، وأرشحها بشدة لمن يريد إحياء جثة السرد الأدبي الحقيقي ولغته الفريدة.

تعد الرواية من أدب السجون ولم أشعر انها كذلك انما شعرت انها رواية لشخص سيئ الحظ انتظرته هيلانه وابنتها بربارة أمام باب منزلها 12 عاماً لكي يعود.

حينما تتبعت أخبار ربيع جابر وجدت أنه “حوت بشري ” اختار أن يقضي حياته في العمق بعيداً عن الأضواء فلن تجد له مقابلات أو ايه صفحات في وسائل التواصل الاجتماعي هو يعيش كناسك يقرأ كثيراً وحينما يصهل قلمه يستجيب له بلا دوافع أو قيود.

شكراً  لقراءتكم ولوجودكم هنا.

هيفاء

24 أكتوبر 2022

رواية “العمى” لـجوزية ساراماغو

 رواية ستفتح بداخلك عيوناً كثيرة على الحياة.

عدد الصفحات :318

ترجمة: محمد حبيب

الناشر: دار المدى

ان كنت تستطيع أن ترى، فانظر

وان كنت تستطيع النظر، فراقب *

ستعرف وأنت تقرأها بأن الإنسان يعيش أنواع كثيرة من العمى وما البصر سوى ضوء يعكس الأشياء. وبأنك ترى بقلبك قبل عينيك وتتلمس مواضع الأشياء بذاكرتك وأن روحك أجنحة للخير وأقدامك معاول لحرث الشر إن طاوعت الشيطان الضاحك بداخلك.

تحكي الرواية عن وباء يعم البشر فيأخذ أبصارهم ويجعلهم يغرقون في بياض حليبي لانهاية له، تسير الأحداث بانتظام وبرتم معقول الا أن نبضك سيتسارع في الجزء الأخير منها لمعرفة كيف سينتهي الأمر وبين صفحة وأخرى ستنبت في رأسك تساؤلات كثيرة وتغرق في تأمل سرمدي لطبيعة البشر العجيبة.

ستتأمل أسباب الصراع الأبدي بين أن تحافظ على إنسانيتك في ظل غياب الظروف وبأن تعرف متى تظهر مخالب الحيوان بك حينما تحتاج إليه، لم تكن في الرواية أسماء للشخصيات، كانت أوصافاً يستدل بها الراوي العليم لوصف العميان ” زوجة الطبيب، الفتاة ذات النظارة الشمسية، الطفل الأحول، العجوز ذو عصابة العين” لم يكن للأسماء أي أهمية كما أن الأوصاف والأعراق والطبقات الاجتماعية تغيب أيضاً لأنها ستختفي جميعاً في البياض ويبقى الهاجس هو الحفاظ على معنى للكرامة المتبقيّة في الأجساد العمياء.

حينما قرأت الرواية سمحت لنفسي بأن أصدر حكماً قاسياً وأقول بأن داخل كل إنسان حيوان مختبئ يظهر بلا تردد في غياب الظروف التي تحكمه بأن يبقى إنساناً.

وحينما انتهيت منها وكعادتي في تأصيل فكرة عظمة الخيال البشري على آلة السينما شاهدت الفلم الذي غيّب أحداثاً كثيرة منها ومشاهد كانت تتكثف بها مواقف هزت سكوني وغابت أحداث رسمها خيالي بشكل كدت ألمسه وأشم رائحته فكنت حينما أقرأ  أكاد أنفض عن جسدي شعور الالتصاق بسيل لانهائي من الأجسام المتعرقة والأيادي الممدودة الباحثة عن مكان آمن تلجأ إليه.

لقد غرقت في هالة غريبة بعد الانتهاء من الرواية والفلم وانتابني شعور لزج غريب لم أستطع تتبع مكان نبعه، شعور يذكرني بأن لا ملامح حقيقية للحياة وأن كل الأشياء متوقعة وأن الضوء بإمكانه أن ينطفئ من جميع الأشياء وبلا سابق إنذار ولكن النور بداخلك هو من يرشدك إلى الضفة الأخرى الأجدر بالعيش.

الحياة مزحة لا تحتمل التصديق وضحكة طويلة بأعين باكية مما يعني بأنه يحال فهمها، ولكن يظل بيدك أن تصنع آلة السعادة والضوء بداخلك.

اقتباسات من الرواية:

“لقد أمضيت حياتي أنظر في أعين الناس، إنها الأجزاء الوحيدة في الجسد حيث لاتزال الروح موجودة فيها”

“الحب الذي يقول الناس إنه أعمى ، له صوته الخاص “

“يجب أن تكون صبوراً، أن تترك الزمن يأخذ مجراه، يجب أن نكون قد تعلمنا مرة واحدة وإلى الأبد أن القدر سيتقلب كثيراً قبل أن يصل أي مكان”

“كانوا يحلمون بأنهم حجارة ، وكلنا يعرف كم هو عميق نوم الحجارة”

“بدون الأعين تغدو المشاعر شيئًا مختلفًا “

“إن أصحاب القلوب القاسية لهم أحزانهم أيضًا “

“إن بصري يتناقص مع مرور الزمن، على الرغم بأني قد لا أفقد بصري بل أني سأزداد عمى لأنه ليس هناك من ينظر إلي ويراني “

* اللوحة للفنان بيتر بروخل

*كتاب المواعظ.

لــو مـلكت الـحقول فـي الأرض طـرا..لـم تـكن مـن فـراشة الـحقل أسعد*

في زمن ما كنتُ قشّة، تتراهن الرياح على أي جهة تقذفني، كان زماناً وانقضى ومنه تعلمت أن أصنع بهزائمي وخيباتي وحطامي معجوناً أبني فيه جداراً صلباً يحميني من الألم . هناك أشياء كثيرة لم تعد تهزني كما كانت في السابق، أتعامل معها بإشاحة الوجه والتجاهل وتمضي في طريقها كمجموعة من الصبية المشاكسين.

في المواقف الشائكة أحاول التماسك، وأعتقد ان الانسحاب خيار مثالي بالنسبة لي إن كان خصمي من ” الغالين” حينها ستعمل عجلة التفكير في طحن كل حبوب الأسئلة باستمرار، عقلي سيتكفل بمعالجة اللوم والإحباط القلق وجسدي سيطرد النوم كوسيلة ودودة من جلد الذات ، لذلك أخفض الأشرعة وأمضي قدماً الى أن يصلح الوقت الغشاء الذي خدشته الأيام.

على صعيد آخر كنت غالباً ما كنت أتوشح بالفأل وأتوكأ على الخيرة لكن مالم أتخيل حدوثه هو أن ” يثقبني الأمل” أن ينخرني “العشم” لم أكن أتوقع أن ذلك سيجعلني أجمع من أجل ذلك أجساماً مضادة من عصارة الأحلام المذبوحة على عتبة الحياة وأتوقى من الثقوب والوخز بالتمسك بالعادية المريحة أحتاج لروحي السلام ، أحتاج التسليم المُبارك والأيام المتكررة الآمنة

يبدو أن هناك الكثير من القرارت تحدث بمركز عملياتي الداخلي، هناك صخب وضجيج يتحتّم علي إسكاته، أحتاج أن تغوص قدمي في الرمل البارد وأطلق عيني للفضاء الرحب، أزلت كل مواقع التواصل الاجتماعي المتكدسة وأزلت كل البرمجيات التي لا أحتاجها فعلياً، أنا الآن في بداية المرحلة ومن يعرف إلى متى سأستمر، ومتى سأتوقف.

كل ما ذكرته سلفاً هي محاولات جادة لأصل لمرحلة ما من الأمان النفسي، فتحت نافذة قصيّة في قلبي لتطير منها الطيور الطنانة والمشاعر المبهمة والأحلام المجهضة كنست الروح بالصمت، وأزلت الكراكيب وارتاح بالي للسِعة والفراغ ولازلت أفكر بالنبتة التي أعدت التفكير في أمرها لن أسقيها بنصف الكوب، بل سأتكلف في شراء أصيص جميل لها وتربة ممتازة وأسمح للبكر من أشعة الشمس بلمس أوراقها، أحتاج أن أتعامل من كائنات غير ناطقة نتبادل المحبّة والهواء ذاته بلا تكلّف وأسباب. أحبها فقط لأني اخترت ذلك.

لنأمل أن المرّ سيمرّ لن ألطفه بالحلوى أو أغير مذاقه باختلاق الأفراح..أنا أسعي لأعيش حياتي مارّة بكل المسارات لا أقفز الحواجز ولا أختبئ في الزوايا..

أحاول أن أستعد لمواجهة الريح والمطر الذي يتبعه والشمس التي ستشرق أخيراً وتجفف ما تبلل من السعادة.

* ايليا أبو ماضي

أحاديث لاتهم أحداً.

ليس هناك معنى للأشياء المتشابهة. وكل التوقعات التي نتحرّى لتحقيقها تغادر هكذا فجأة كعصفور حطّ على النافذة ثم ارتعد وطار بعيداً.

قبل قليل طرأ لي التفكير عن الأحداث الأبرز في أسابيعي الثلاث المنصرمة، وحينما استرجعتها وجدت أنها صراعات، صراعات كثيفة ومركزّة لا يمكن للمرء تجاوزها ببساطة ولأني أصبحت مؤخراً أكثر رفقاً بي من الأيام فقد سامحتها.

عموماً لأن الأيام كانت حلزونية وبطيئة أنهيت بها متابعة مسلسل 2020 على شاهد، نادين نجيم ممثلة مختلفة ولأني أحن للأيام التي كنا نجتمع حولها كعائلة على مسلسل واحد كان اختياري لمسلسل عربي كي لا اضطر لتصويب مسدسي نحو التلفاز إذا عرض مشهد مخل أمام الأطفال.

أنهيت أيضاً رواية بيوم واحد لستيفن زيفايغ بعد أن أحبطتني رواية ما قرأت منها 500 صفحة تافهة ولم أندم على تركها تنتحب على الرفّ.

أنهيت كتابة محتويات إعلانية لمتاجر إلكترونية واتفقت على خطّة نشر مبدئية.

أنهيت الكثير من قوارير المسكنات وخافضات الحرارة على أطفالي ونفذت مني علب مناديل كثيرة وأنا أحاول تنظيفهم من آثار المرض ومسح آثار التعب والإرهاق على وجهي المنطفئ من السهر، كانت لحظات السكون معدودة وقصيرة الأجل ورغم أني وعدت نفسي على ملئها بالكتابة حينما تأتي صباحاً إلا أني وجدت نفسي نائمة على الأريكة وأمامي قهوة فرنسية من بارنز أنهيتها وأنا أحاول مقاومة النُعاس.

نصيحة صغيرة: لا تفوت عليك طلب ثنائي كعك التمر مع القهوة الفرنسية بالبندق لديهم هو مزيج يخترق كل حدود القارات ليجمع البندق مع التمر ولكنها ينسجمان معاً كما تنسجم الكليجا مع القهوة الأمريكية.

ماذا عن البدايات؟

انتظار نتيجة مقابلة عمل -وأطلب من الله أن يختار لي مافيه خير وصلاح لأمري-

البدء في قراءة أكثر من كتاب وقد اخترت ” مختصر زاد المعاد” في أوقات اليقظة الذهنية وفي الأوقات التي أريد أن يذهب بها الخيال في نزهة فقد اخترت لها رواية ” العمى” لساراماغوا.

لست متأكدة من البدايات ولكني أضع قدمي على درجات جديدة وأتمنى أن يحالفني الحظ في بعض الفرص التي أحاول اقتناصها.

أفكر أن أقتني نبتة، أشعر أني بحاجة ماسة لروح تبادلني الصمت ولا تطلب سوى المتبقي من كوب الماء الذي بيدي وأشعة شمس تتسلل من النافذة.

وأسعى كذلك أن أكف يدي عن إنفاق المال لأجمع ما يكفي للحصول على حصيلة جيدة من معرض الكتاب القادم بجدة ، هل هناك توصيات؟ أتذكر أني وضعت قائمة للكتب التي أتمنى شرائها واحياناً أفكر أني قد أذهب للتسوق دون أي تخطيط مُسبق..

  • كل ما كتبته هنا كان على سبيل الفضفضة، ولو كانت زاوية العجوز لاتزال موجودة في مجلة سيدتي لقمت بمراسلته وقضاء وقتي بقراءة ردوده “القاصفة للجبهة ” في ذلك الوقت.

هيفاء

18 سبتمبر 2022